طالبت أكاديميات وباحثات إلى تعزيز دور الأسرة في الحد من الانحراف والتطرف، ضمن مشاركة جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في استضافة ندوات ثقافية للمهرجان الوطني للتراث والثقافة بالتعاون (الجنادرية 30)، خلال ندوة (دور الأسرة في الحد من الانحراف والتطرف) التي أدارتها عائشة حجازي اليوم الاثنين، ضمن دور الجامعة ومسؤوليتها الوطنية والثقافية والاجتماعية في الإسهام بحركة التنمية.
واقترحت أستاذة الجغرافيا الاقتصادية بجامعة الأميرة نورة الدكتورة نوره العجلان برنامجا لحماية الشباب من الانحراف من خلال ورقتها البحثية (من يختطف الأبناء ودور الأسرة والمجتمع)، مطالبة بالتركيز على تعزيز الهوية في سن المراهقة، بفهمه وقبوله نفسيا ومجتمعيا، مؤكدة أن أصعب ما في هذه المرحلة (هو فقد الهوية لدى الشباب)، لكونها تؤدي إلى الانصهار في مجموعات تحقق الهوية مما يحتمل أن يتبعها التورط بنشاطات تخريبية أو إدمان أو الانسحاب إلى أوهام نفسية، لكن في حال تم الاهتمام بهذه المرحلة العمرية سيكون فاعلا في المجتمع ويواجه كل المشكلات بثقة في نفسه ومجتمعه. وفيما يتعلق بالمرحلة السادسة من لعمر (حيث سن الرشد)، فتشير العجلان إلى إمكانية معالجة مشكلة الشباب من خلال العمل على تحقيق الذات لدى الشباب وافضل طريقة تزويج الشباب في سن الرشد لتحقيق المودة مقابل العزلة، وتوفير فرص العمل المناسبة والعناية بالأمان الوظيفي والعدالة الاجتماعية والمساواة القانونية، مع وضع خطة استراتيجية لحماية المجتمع من الانحراف والقضاء على اسبابه.
يأتي ذلك في الوقت الذي ترا فيه العجلان احتمالية صعوب إزالة عوامل الخطر لكن يمكن التخفيف منها، بواسطة: إشراف الوالدين الكافي، إشراك الأقران في الوقاية من المخاطر، ردع المتنمرين ووضع وسائل تحد من تنمرهم، اشراك الشباب في الانشطة الاجتماعية، محاربة الفقر والظلم لأنه أساس كل بلاء، تعزيز الهوية الثقافية والتدخل المبكر بالبرامج والسياسات والإجراءات.
فيما اقترحت أستاذة السنة في جامعة الأميرة نورة دكتورة نوال العيد برنامجين لمكافحة التطرف، الأول علمي والثاني عملي، موضحة في البرنامج العلمي أن العلم الشرعي قائما على الكتاب والسنة، مستشهدة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "يَأْتِي فِي آِخِر الَّزَماِن قَوٌمُ حدَثَاُء اْلأَسنَان، سفَهاُء اْلأَحَلاِم، يَقُولُوَنِ مْن قَوِلَ خْيِر اْلبَريَّة يَمُرقُوَنِ مْن اْلإْسَلاِم…". داعية إلى تدبر القرآن الكريم، ومساندته بمشروع علمي لمكافحة الشبهات على يد العلماء الربانيين (مستشهدة بحوار ابن عباس مع الخوارج)، مع الالتفات الجاد للشباب والدعوة للاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف والتوعية بخطر الجماعات والأحزاب والفرق.
وطالبت العيد بالبحث وراء الأسباب الحقيقية المولّدة للتطرف، مؤكدة وجود خلل في البنية الفكرية للفئات الضالة، إذ أنها قائمة على المنهج الحرفي في فهم النصوص، مع التشكيك في السنة، والتشكيك في العلماء، والبيئة المولدة لهذه الجماعات مستندة على حديث "يخرجون على فرقة من الناس"، حيث خرجوا بعد مقتل عثمان حين تنازع المسلمون، إلى جانب الفراغ لدى الشباب مع نقص العلم والتجربة.
من جانبها، حذرت الدكتورة بنيه الرشيد من عوامل تطرف الشباب، وفيما ظهر للرشيد أن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتلاحقة التي يمر بها مجتمعنا تفرز الكثير من الظواهر والمشكلات، كما أوصت بإنشاء مراكز أبحاث على مستوى عالي من الكفاءة مهمتها استشراف المستقبل من خلال المعطيات الحالية ودراسة التغيرات التي يمر بها المجتمع ووضع رؤى واضحة لصناع القرار لتفعيلها، مطالبة وسائل الإعلام بالبرامج الدينية والثقافية بحيث تستخدم طريقة لتفعيل الدين في الحياة اليومية، والتي تظهر في السلوك والتواصل والأخلاق، ووقوف المجتمع وقفة رجل واحد تتكاتف فيه جهود رجال الأمن مع رجال الدين مع أساتذة جامعات من علماء اجتماع واقتصاد ورجال أعمال ومواطنين لمواجهة هذه المشكلة كلاً فيما يخصه، وتنظيم برامج إعلامية مخصصة لتوعية الشباب بأمور الدين الصحيحة وتدريبهم على مواجهة الأفكار الضالة. وعقد الندوات والمحاضرات للشباب التي تضم المتخصصين، وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الدوافع وراء العمليات الإرهابية، وان المعلمين والأساتذة من أكثر فئات المجتمع تأثيرا على الشباب بكافة المراحل، وتوظيف الشباب العاطلين عن العمل لكي لا تكون فرصة للانحراف، وتغيير طرق الواعظين والمربين وتعديلها في تربية النشء وجعلها أقرب لعقلياتهم ونمط تفكيرهم، والاهتمام بإنشاء مراكز في الأحياء المختلفة بفتح المجال والفرص للشغل وقت فراغ الشباب والتنفيس عن طاقاتهم، والاهتمام ببناء الفرد المسلم على أسس إيمانية سليمة مرتهن باتباع طريق الله المستقيم، مع بذل العلماء لجهود حثيثة لتحصين الشباب بالفكر الإسلامي الصحيح وحمايته من الأفكار الضالة الهدامة وتأصيل معاني الخير في نفسه ليكون عنصرًا بناء لا تخريب وتطوير لا تدمير واعتدال لا غلو وأناة لا تسرع، وكل امرئ يجري إلى ساحة الوغى بما استعد.
ونبهت الكاتبة المهتمة بالقضايا الحقوقية سكينة المشيخص من فجوة الحوار الأسري وتأثيرها في تشكيل الشخصية السلبية للناشئة، موصية بضرورة امتلاك الأسر للوعي الاجتماعي والسلوكي التربوي عبر استخدام الحوار لمعالجة مشاكل الأبناء، وإطلاق منظومة عمل اجتماعية تستهدف التركيز على الحوار كوسيلة لحماية الناشئة من عوامل الاختراق الفكري والعقلي في ظل دخولهم الى العالم الافتراضي من خلال المواقع الاجتماعية وتعرفهم على أصدقاء يستهدفون اصطيادهم واستقطابهم الى أفكار سلبية، مع تأسيس مراكز أسرية داخل الأحياء لمتابعة المنهج التربوي للأسر ومساعدتها في حل مشكلاتها والبقاء قريبا منها لمتابعة أي تطورات سلبية أو متغيرات في فكر أبنائها ومعالجتها بمنهج علمي مستمر، وترقية دور الإشراف التربوي في المدارس وفتح قنوات اتصال دائمة مع الأسر من أجل محاصرة الأفكار الهدامة التي ربما يتعرض لها الأبناء والسيطرة عليها في نطاقات ضيقة قبل أن تستفحل خاصة في المرحلة الثانوية.
في الوقت الذي أكدت المشيخص في دراستها (فجوة الحوار الأسري وتأثيرها في تشكيل الشخصية السلبية للناشئة) أن الحوار الأسري لا يجد الاهتمام به كوسيلة تربوية ضرورية للوقوف على احتياجات الأبناء الفكرية والثقافية والمعرفية التي تمنحهم خيارات عقلية مناسبة لمراحل نموهم وتطورهم الإدراكي، واصفة دور الحوار بأنه لا يزال ضعيفا في علاقة أفراد الأسرة من منظور مناقشة قضايا فكرية أو اجتماعية أو شخصية مما يضعف دوره التربوي في النشأة، وبالتالي تبرز الحاجة الى اعتماده كسلوك تربوي له أهمية عالية في تطوير قدرات الأبناء وحمايتهم من اتخاذ قرارات خاطئة وانطباعية، مؤكدة الحاجة إلى الانفتاح على النقاش العقلي لاستكشاف ما يفكر فيه الأبناء قبل أن يتجهوا الى خارج محيط الأسرة بحثا عن إجابات لأسئلتهم، محذرة من غياب الحوار الذي يقود بدرجة كبيرة الى التطرف والاندماج مع أي آخرين يقفزون على دور الأسرة في الرعاية والمتابعة وفتح قنوات التواصل مع تطور نمو أبنائهم.
توحدت دعوات الأكاديميات والباحثات خلال ندوات اليوم الثاني للفعاليات الثقافية للمهرجان الوطني للتراث والثقافية) الجنادرية ٣٠) التي استضافتها جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن إلى أهمية تعزيز الهوية الوطنية لدى النشء، وتنمية قِيَم الانتماء والولاء لدى أفرادها.
وأكدت الدكتورة عزة بنت عبد الرحيم بن شاهين أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد بجامعة طيبة في دراستها على أهمية دور الأسرة في تنمية روح الوطنية والمواطنة في نفوس أطفالها من خلال غرس السلوكيات والممارسات
العملية الدالة على حب الوطن، والانتماء له، مؤكدة أن الأسرة المستقرة التي تُشبع حاجات الطفل، تعد عاملاً مهماً من عوامل سعادته واتِّزانه وتكامل شخصيته، ومِن ثَمَّ قدرته على التفاعل بشكل إيجابي مع المجتمع ولفتت إلى أنه لا تعارض بين مفهوم الانتماء الوطني، وبين الشريعة الإسلامية، وتابعت: الانتماء الوطني مثله مثل باقي أشكال الانتماء الأخرى، يجب أن ينظر إليه باعتباره أحد مكونات دائرة الانتماء الأكبر، الانتماء إلى الإسلام دينًا وثقافة، ومشروعًا حضاريًّا. ودعت الدكتورة عزة في توصياتها المعنيين إلى الاستفادة من التجارب الناجحة في البلدان الأخرى من أجل وضع مناهج تثقف الطالب بمفاهيم حقوق الإنسان بصورة صحيحة وواضحة ومتكاملة، إضافة إلى عقد دروس نموذجية وطرق تدريسية، متنوعة
ومميزة في عرض المفاهيم والمعارف المتعلقة بالديموقراطية والحريات العامة وسيادة القانون، وتقديمها للطلبة بصورة مشوقة ومتنوعة كما أوصت بضرورة إشباع حاجات الشباب المادية والمعنوية، بما يسهم في قوة ارتباط الفرد بوطنه وسَعيه إلى استمرار تقدُّمه واستقراره، ومنها الحاجة إلى الأمن والحماية، والحاجة إلى إشباع المطالب الاقتصادية. وشددت الدراسة على ضرورة وجود قاعدة معلوماتية حول التربية في حقوق الإنسان وتوثيقها وفق قنوات محددة في النظام التربوي، مع تنظيم الندوات وحلقات البحث والحوار والنقاش التي تتيح فيها مشاركة الهيئة التدريسية وأولياء الأمور والطلبة جميعاً، بما يكسب الطلبة مهارات الحوار والنقاش والتعبير والإصغاء وحل المشكلات.
ودعت الدكتورة عزة أيضاً إلى ضرورة تعزيز الثقافة الإسلامية كأساس لبناء الهوية والانتماء الوطني، وتابعت: فالمحافظة على الذاتية الثقافية الإسلامية في مواجهة محاولات العولمة لتحويل جميع الثقافات إلى نمط عالمي موحد - ضرورة ملحة لتحصين الهوية الثقافية وبناء الانتماء الوطني.
ومن جهتها، دعت الكاتبة الإعلامية كوثر الأربش الشباب إلى معرفة كيف تكونت وحدة الوطن المبنية على العقيدة الإسلامية والوحدة العربية الإسلامية، لافتة إلى أن “الوطنية لا تعني تجرد الشخص من صفاته وأصالته لأن الوطن مظلة أعل".
واستعرضت الكاتبة الإعلامية نماذج لشباب وبنات سعوديين برزوا ونجحوا في ميادين مختلفة ووحدهم اسم الوطن، مؤكدة أن حب الوطن لا يحتاج لإثبات، في الوقت الذي حذرت من الطائفية ووصفتها بأنها أكبر مهدد للأمن الوطني كما حدث في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
وفي السياق ذاته، تحدثت الدكتورة نوف بنت ناصر التميمي الاستاذ المشارك بجامعة سلمان حول تعزيز شعور الشباب بالانتماء الى أسرهم، وذواتهم والشعور بشرف الانتماء للوطن والاعتزاز به، داعية إلى ضرورة إعداد الشباب للعمل والمشاركة الفاعلة في خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إلى جانب تهذيب سلوكه وأخلاقه وتعويده على التحلي بأخلاقيات المواطن الواعي.
وأشارت الدكتورة نوف إلى ضرورة تعزيز الثقافة الوطنية بنقل المفاهيم الوطنية للطفل، وبث الوعي فيه بتاريخ وطنه وإنجازاته، وتثقيفه بالأهمية الجغرافية والاقتصادية للوطن إلى جانب العمل على بناء وعي ابنها بتنمية مهارات التفكير الناقد، وغرس روح المبادرة، وتعويده على العمل المشترك، وحب التفاهم والتعاون والتكافل والألفة، والاستعداد للدفاع عنه بالقلم
واللسان والسلاح؛ وفي الندوة الثانية التي عقدت بعنوان (الأسرة وتحديات ثقافة التقنية، دعت الدكتورة ريم بنت عبدالمحسن بن محمد العبيكان المحاضر بجامعة الملك سعود إلى ضرورة توجّه الجيل الجديد نحو إنتاج المحتوى الرقمي وأهمية دور
الأسرة في التعامل الإيجابي مع ثقافة التقنية.
من جانبها، رأت الدكتورة وفاء عبد البديع اليافي (كلية الاقتصاد والإدارة جامعة الملك عبد العزيز) أن الوسائل التقنية الحديثة لها انعكاسات سلبية، وكذلك آثار إيجابية، لافتة إلى عدد من الخطوات التي تعزز الاستفادة منها، أبرزها ضرورة قيام الاسر بتوجيه ابنائهم وارشادهم للاستخدام الامثل لوسائل التقنية الحديثة، ونشر ثقافة الحوار في نفوسهم، مما سينعكس إيجاباً على اتجاهاتهم وسلوكهم في وتعاملهم مع الآخرين في المجتمع.
كما شددت على أهمية زيادة وبناء العديد من المؤسسات الثقافية والاقتصادية والرياضية والاجتماعية والعلمية لاستيعاب طاقات الشباب وتوجههم في إطار الوعي والمسؤولية، إلى جانب تطوير دور الأسرة بوصفها المدرسة الأولى في حياة الفرد، واستغلال وسائل وأدوات العصر الرقمي المرئية والمقروءة والمسموعة لبث البرامج الثقافية، وتشديد المراقبة من قبل الجهات الرسمية بشكل مركزي وعلى مقاهي الانترنت خاصة.
كما تحدثت الدكتورة أمل الطعيمي حول الأسرة وتحديات ثقافة التقنية، وتناولت بالتفصيل تحديات الاستخدام الاستهلاكي السلبي، والاستسلام للتلقي والتخلي عن دور الفاعل، إلى جانب ضعف المسؤولية الفردية والجماعية.